القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
محاضرة بعنوان درس الحج
8109 مشاهدة
حكم الأضحية

فصل: والأضحية سنة يكره تركها لقادر، ووقت الذبح بعد صلاة العيد أو في الضحى إلى آخر أيام التشريق، ولا يعطى جازر أجرته منها ولا يباع جلدها ولا شيء منها بل ينتفع به.


يذكر الفقهاء الأضاحي، والهدي بعد الانتهاء من الحج، وبعضهم يؤخرها، ويجعلها مع الأطعمة، والأطعمة ذكروها بعد الانتهاء من الجنايات، بعد ذكر أبواب الجنايات حد الزنا، وحد القذف، وحد السرقة، وحد المسكر، وحد المرتد، والبغاة، وقطاع الطريق، والمحاربون، يذكرون بعد ذلك كتاب الأطعمة، ويذكرون مع كتاب الأطعمة الأضاحي؛ لأنها من جملة الأطعمة، من جملة ما يذبح، ويؤكل لحمه.
ويذكرون هناك- أيضا- الصيد وما يحل منه، وما لا يحل، وكثير منهم يذكرونها في هذا الموضع، يذكرون الأضحية بعد الانتهاء من الحج؛ وذلك لصلتها بالهدي؛ وذلك لأنهم كانوا يهدون.
الهدي وأنواعه:
والهدي: هو ما يتقربون به إلى البيت والذي يذبح بمكة يمكن أنه خمسة أنواع، أشهرها الهدي التطوعي .
ذُكر في قوله تعالى: لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وفي قوله: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ فهذا الهدي يتقرب به إلى الله، لما أحرم النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحديبية بعمرة الحديبية كان معه نحو سبعين من الإبل هديا، ومع كثير من أصحابه- أيضا- هدي، ومنعهم المشركون، فذبحوها في الحديبية وأنزل الله: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ .
وكذلك لما أحرم بالعمرة في عمرة . سنة سبع ساق معه- أيضا- هديا، ونحره بمكة لما انتهى من عمرته، وكذلك في حجة الوداع ساق من المدينة سبعين بدنة، وجاء علي بثلاثين، وأصبحت مائة بدنة، وكثير من الصحابة كان معهم هدي، وكانوا يسوقونها إلى البيت يشقون أسنمة الإبل حتى يسيل الدم ثم..
يبلونها بالدم، ثم يعقدون تلك الوبرة في ذروة سنامه؛ حتى يعرف أنه هدي، ويجعلون في رقبته قلادة، ويعلقون في القلادة نعلين، كل هذا علامة على أنه هدي؛ حتى لا يتعرض له أحد، لا يسرق، ولا ينحر، ولا يركب إلا لحاجة، إذا احتاج إليه صاحبه، ولا يحلب لبنها إلا إذا فضل شيء عن ولدها، يهدون من الإبل، ومن البقر، ومن الغنم.
الإشعار يختص بالإبل، وهو شق صفحة السنام، وربط الصوفة أو الوبرة بذروة السنام، وأما البقر فلا يشعر، يعني لا يشق سنامه، وكذلك الغنم، ولكن يشترك الجميع في جعل الرقاب التي هي قلائد قال الله تعالى: لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ أي: لا تستحلوا الهدي، فتأخذونه، وتركبونه، ولا تستحلوا القلائد فتنزعوها من رقاب الهدي؛ فإنها إذا نزعت من رقابه بطل كونه هديا، أو استخف به الناس ولم يشعروا بأنه من الهدي؛ فلذلك حرم الله الاعتراض على هذه الأشياء، ومن جملتها الهدي، وكذلك من جملتها القلائد.
هذا مما يهدى إلى البيت وقد كانوا يهدون في الجاهلية، فأقر الإسلام ذلك.
في هذه الأزمنة يقل الهدي وذلك في موسم الحج كثرة اللحوم، وفي غير موسم الحج الغفلة عن فضل ذلك وعن أثره، كانوا إذا كان الهدي مع الحج نحروه بمنى وإذا كان مع العمرة نحروه عند المروة . هذه الأزمنة أنه لا يمكن، لا يتمكن من النحر عند المروة ؛ وذلك لأنها أصبحت نظيفة، وأصبحت مكانا متسعا للمصلين، ولكن ينحره بالمنحر إن كان إبلا، أو يذبحها في مكان المسلخ الذي أعد للذبح.
وكذلك الهدي يجوز في كل وقت ، يعني يصح أن يحرم إنسان في ربيع الأول، أو الثاني، أو جمادى الأولى، أو جمادى الثانية، أو رجب، أو شعبان، أو رمضان، ويسوق معه هديا، وهل يلزمه أن يسوقه؟
المعتاد أنه كان يسوقه، يركب بعيرا، ويسوق الباقي.
في هذه الأزمنة قد يشق سوقه، يستطيلون المدة، المدة الأولى كانوا معتادة كانوا مثلا يسوقونه عشرة أيام من المدينة أو مثلا عشرين يوما من هذه البلاد، أو ثلاثين يوما من الرياض ونحوه، أو خمسين يوما من الأحساء أو ما أشبه ذلك يسوقونه، يمشي، يمكن أنهم ما يصبرون على سوقه، فيحملونه يجوز حمله على السيارات، وإذا جيء به إلى مكة أشعر، إن لم يكن قد أشعر من قبل وقيد، ثم بعد هذا يذبح إذا انتهى من النسك إذا انتهى من نسك العمرة مثلا.
أما الحج فإنه يتركه حيا إلى أن يذبحه يوم العيد، في يوم النحر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر ولقول الله تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ .
والحاصل أنه يجوز، وقد يسن الإهداء ولو لم يسقه، ولو حمله في سيارة، وسواء من الإبل، أو البقر، أو الغنم.
هذه الأنعام الأربعة التي ذكرت في سورة الأنعام: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ثم قال: وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ أي ذكرا وأنثى.
هذه هي التي تسمى بهيمة الأنعام وتسمى النعم، وهي التي يهدى منها، يجوز إذا أهدى بقرا أن يسوقه، ويجوز أن يحمله في سيارة، وكذلك إذا أهدى غنما يقلدها.
ويسوقها إن قدر، أو يوكل بها من يسوقها، فإن عجز فإنه يحملها، وإذا انتهى من نسكه ذبحها.
أنواع ما يذبح في الحرم:
ذكرنا أن مما يذبح في الحرم أيضا دم التمتع ، وهو الذي يلزمه إذا كان محرما بعمرة، متمتعا بها إلى الحج، أو محرما بالعمرة، أو محرما بالحج والعمرة جميعا، وهو قارن أنه يذبح دما، وأنه يجوز له أن يأكل منه قال تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ .
مما يذبح أيضا في مكة فدية المحظور ، إذا فعل محظورا غطى رأسه، أو لبس مخيطا متعمدا، أو تطيب أو قص أظفاره، أو حلق شعره فإنه يخير بين ثلاثة: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فإذا اختار النسك فإنه يكون بمكة ولا يأكل منه شيئا؛ لأنه فعل محظورا من محظورات الإحرام، فكان عليه أن ...
كذلك من الدماء التي تذبح بمكة دم الجبران .
دم الجبران هو الذي يذبح إذا ترك الإنسان واجبا من الواجبات، إذا ترك الوقوف بعرفة إلى الليل فعليه دم، وإن ترك المبيت بمزدلفة إلى ما بعد نصف الليل فعليه دم ثاني، وإن ترك المبيت بمنى أيام منى فعليه دم ثالث، وإن ترك الرمي فعليه دم رابع، وإن ترك الحلق فعليه دم خامس، وإن فعلها فلا شيء عليه.
هذه هي التي يمكن فواتها، يعني الانصراف من عرفة قبل الليل، والخروج من مزدلفة قبل نصف الليل، وترك المبيت بمنى وترك الحلق، وترك الرمي، وترك طواف الوداع.
الذبائح إذا ذبحها تسمى دم جبران، لا يأكل منها، وإنما تكون لمساكين الحرم قال تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وقال تعالى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أي: يُبلغ به أهل الكعبة، يعني يوزع عليهم.
معلوم أن الكعبة حجارة، ليست هي التي تأكل، فمعنى بالغ الكعبة يعني بالغا أهل الكعبة، أو بالغا يذبح عند الكعبة أو قرب الكعبة ثم يوزع على من حولها، ولا يأكل منه صاحبه شيئا دم الجبران، وكذلك جزاء الصيد، وكذلك فدية المحظور، هذه لا يأكل منها.
فعرفنا أن الدماء التي تذبح بمكة خمسة.
الهدي التطوع -الهدي يأكل منه- دم التمتع والقران يأكل منه، الثلاثة الباقية جزاء الصيد إذا قتل صيدا ثم ذبح جزاءه لا يأكل منه، كذلك دم الجبران إذا ترك واجبا فاحتاج أن يجبره لا يأكل منه، كذلك فدية المحظور إذا فعل محظورا من محظورات الإحرام كتغطية الرأس لحاجة ونحو ذلك، فعليه إذا اختار الدم فلا يأكل منه مع أنه مخير بين ثلاثة أشياء قال تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ .